top of page
صورة الكاتبChavia Ali

إلى ذاك الغريب في عيد فالنتاين

في عيد فالنتاين من كل عام أنتهز هذه الفرصة كي أعبر للناس عن تقديري واحترامي لهم فأقوم بشراء بعض الهدايا البسيطة وتقديمها لهم في هذا اليوم.

في عام من الأعوام قمت بإهداء والدي زوجا من الجوارب, كما وأقوم أيضا بتقديم الهدايا إلى كل شخص يتم اللقاء به في ذاك اليوم ولا أقتصر في ذلك فقط على أناس أعرفهم جيدا كالأقارب, وذلك بهدف إظهار الحب والتقدير لهم. ففي العام الماضي قمت بإهداء الطبيبة التي تقدم لي العلاج الطبيعي علبة من الشوكولاتة, أما هذا العام فقد صادف وأن أتى عيد فالنتاين يوم أحد وفي ظل انتشار وباء الكورونا حيث تتعذر اللقاءات والزيارات, وعليه فإنني عوضا عن ذلك أقوم بكتابة هذه المدونة الإلكترونية لجمهور القراء الكرام آملا أن يقبلها كل منهم كهدية متواضعة في هذا اليوم.

ألحب في حد ذاته شيء رائع لكنه ليس سهلا عندما تكون شخصا من ذوي الإعاقة بل إن الحب في هذا الظرف قد يجر المزيد من الألم والمعاناة, فالقديس فالنتاين نفسه قد لاقى حتفه مأساويا...!

عندما تقابل الشخص الذي تحبه كشخص لديك إعاقة معينة "أو كشخص مختلف بطريقة أو بأخرى" فإنك تشعر حتما بأن خياراتك محدودة بل ومحسومة لك سلفا. فقد تقابل شخصا يقدرك ويحترمك, وقد تشعر حينئذ بالغبطة والسرور, إلا أنه سرعان ما تثنيه عن ذلك عادات ومعتقدات المجتمع المحيط, فقد يبدو من الواضح بأن هناك القلة القليلة من الناس القادرين على المقاومة والثبات على خيارهم لحب وتقدير شخص من ذوي الإعاقة تحت وطأة المعايير الاجتماعية وضغط الأقران., فهذا هو الواقع المعاش خاصة في مجتمع ينظر للإعاقة على أنها وصمة عار..! كما أنك قد تجد هذه النظرة أيضا حاضرة في مجتمعات متحضرة تدعي وجهة نظر أكثر إيجابية وانفتاحية, فقد تصادق شخصا لديه إعاقة وتقدره وتحترمه, فهذا ليس بالأمر العسير, ولكن عندما يصل الأمر إلى الحب أو الزواج أو تربية الأبناء فإن المسألة تأخذ منحى أكثر تعقيدا.

لقد أصيبت جدتي بالإعاقة بعد إنجاب وتربية أربعة أبناء وتحملها للمسؤولية الكاملة عن سائر أفراد العائلة, فقد قضت سنوات عدة من عمرها في رعاية والدة زوجها (حماتها) بما في ذلك حملها ونقلها رغم ثقل وزنها متى اقتضى الأمر, وبعد وفاة الحماة عانت جدتي من ألم مزمن في ظهرها كان سببه حمل حماتها والتنقل بها طيلة تلك السنين, لم يكن من ردة فعل جدي حينئذ سوى أن تزوج عليها من امرأة أخرى! من السهل جدا علينا الآن أن نذهب إلى القول بأن فعلة جدي كانت مجرد صورة تعكس أسلوب حياة المجتمع الكردي في ذاك الوقت, لكننا لا نزال نشهد ردود الأفعال ذاتها في مجتمعاتنا اليوم..! ما هو مؤسف جدا أن قيمة الشخص في مجتمعاتنا لا زالت مرهونة بإنتاجيته ونفعيته ومتى انعدمت تلك النفعية انعدمت قيمته..! وما هو مؤسف ومحزن أيضا أننا اليوم, وفي ظل وباء الكورونا, لا زلنا نشهد ممارسات إعطاء الأولويات في المجتمعات الغربية التي تدعي الحضارة, تماما كما فعل جدي قبل عشرات السنين..!

ألحب يصنع المعجزات!

رغم ما تقدم, يبدو أن هناك من الظروف ما يمكَن الحب من تجاوز كل العقبات, فلا زلت أذكر والدتي, كطفلة إلى أن بلغت سن المراهقة, وهي تحملني وتصعد أدراج المباني الكثيرة وتنزل بي من على هذه المباني التي لم تكن موائمة بأي شكل من الأشكال. كانت والدتي تفعل ذلك من وازع الحب, كي لا تدع أي من الفرص أو الخبرات المفيدة تفوتني بسبب إعاقتي. كطفلة في ذلك الحين لم يراعني الأمر, إلا أنني عندما كبرت وأصبح وزني يماثل وزنها تقريبا, انذهل بعض الناس من أن سيدة نحيلة كأمي تستطيع حملي بتلك السهولة كما كان يبدو لهم, وفي نهاية الأمر طلبت منها التوقف عن حملي, طلبت منها التوقف عن ذلك لا لأنني لم أقدر لها جهدها كله, بل لأنني خشيت أن يصاب ظهر والدتي كما أصيب ظهر جدتي من قبل..!

هناك مثال آخر على أن الحب قد يصنع المعجزات ويجعل من المستحيل ممكنا.. هناك سيدة أرادت الزواج من رجل يعاني من مرض خطير, ومع أن الجميع من حول تلك السيدة قد نصحها بعدم الإقدام على ذلك الزواج إلا أنها أصرت على خيارها, وبالرغم من إفادات الأطباء بأن ذلك المريض لن يعمر طويلا.. أصرت وفعلا حصلت المعجزة وتحسنت حالته الصحية.. لم يشفى ذلك الرجل تماما من مرضه لكنه عاش حياة طويلة وسعيدة لأنه، كما قال الأطباء، قد وجد فعلا من يحبه ويهتم به ويرعاه. نعم قد يستغرق وقتا طويلا كي تجد الشخص المحب المناسب لكن التقدير المتبادل النابع من الحب الصحيح لهو من أجمل الخبرات التي يمكن أن تمنحها لنا هذه الحياة.

ومع ذلك فان للحب وجها آخرا.. فأحيانا قد تقع في حب شخص وتشعر بالتعلق به إلا أن المنطق لديك وحفاظك على نفسك من الأذى نتيجة ذلك الحب قد يمنعك من مواصلة تلك العلاقة, وفي أحيان أخرى قد تشعر بأن الشخص الآخر يستحق من هو أفضل منك أو قد تعتقد أن ذاك الشخص سيتمتع بفرص أفضل دون وجودك في حياته. إنني أكاد أجزم بأن مثل هذه الحالات تنطبق أيضا على الأشخاص الآخرين من غير ذوي الإعاقة, ولكنه عندما يتعلق الأمر بالأشخاص ذوي الإعاقة فإن تلك الصورة تختلف تماما كما وتظهر على أنها أكثر تعقيدا, فالإعاقة أمر يلازمك طيلة فترة حياتك وعليك التعايش معها, وعند التفكير جديا بمشاركة حياتك مع الشخص الآخر فإنه لا محالة ستصبح الإعاقة عاملا مؤثرا في طبيعة مسارات الحياة.

الحبَ لا يعرف منطقا، ففي عالم الحب إما أن تختار أو أن لا تختار. فألحب ليست وسيلة للثراء أو تحقيق النجاح, بل إن الحب بكل اختصار هو أن تكون مع الشخص المناسب وللشخص المناسب, فهناك كما رأينا من عالجهم الحب وأنقذ حياتهم وهناك من فقدوا حياتهم في سبيل الحب, ومهما كانت خبراتك السابقة في الحياة تذكر دائما بأنه إن لم يحالفك الحظ بعد في مقابلة الشخص المناسب فذلك ليس سببا لتخليك عن الحب. والأهم من ذلك كله فإن الحب يبقى أكبر بكثير من مجرد علاقة رومنسية ما بين شخصين, فهو ما كرسته جدتي من حياتها حبا لزوجها وأسرتها وهو ما منحته والدتي من جهدها وما أفنته من عمرها من أجل سعادتي وهو ما قدمته صديقتي لزوجها المريض وهو كل تلك الأفعال الخيرة التي نقدمها دائما لأناس وإن لم نكن نعرفهم من قبل.

وقصتي الأخيرة التي أود مشاركتكم إياها لتتعلق بذلك اليوم الماطر في مدينة "هولسفرد" عندما كنت وصلت لتوي إلى السويد, حيث كنت أرتجف من الأمطار والبرد, اقترب مني فجأة عابر سبيل لا أعرفه وناولني شمسيته (مظلته) التي كان يحملها لتقيه من المطر, كل ما قاله لي ذلك الغريب هي ثلاثة كلمات: قال لي "أنت بحاجة لهذه " وراح سبيله مسرعا.. حتى دون أن يمهلني ذلك الغريب لحظة واحدة كي أقول له كلمة شكرا..!

عزيزي الغريب..

شكرا لك! إن كنت تقرأ هذه المدونة فإنني أودك أن تعلم كم أنا قدرت لك عملك الخير في ذلك اليوم, ذلك العمل النابع من الحب والانسانية, ذلك العمل الذي جئت به في وقته المناسب ولحظة الحاجة إليه, فأنت لم تمنحني المظلة لتقيني من المطر والبرد فقط, أنت منحتني أيضا ذاك الدفء الإنساني عندما كنت في أمس الحاجة إليه..! لهذا السبب فإنني أهدي لك هذه المدونة في يوم فالنتاين كما أهديها إلى كل القراء الأفاضل وإلى كل أولئك الناس الذين نجدهم إلى جانبنا في الوقت المناسب وعند الحاجة إلى دعمهم وحبهم أو ابتسامة منهم.

جافيا علي

Chavia Ali

٢٦ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page