top of page
  • صورة الكاتبChavia Ali

حول التعددية والتمثيل

في المنشور الصادر في الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 قمت بالحديث عن مسألة التمثيل وحقوق الانسان ذات الصلة بتعيين السيدة ((Amy Coney Barrett في مجلس القضاء الأعلى مؤكدة على "الدور المفتاحي الذي تلعبه سياسة التمثيل الصحيح للمضي قدما في عملية ممارسة حقوق الإنسان" كما أكدت على أن "التمثيل وحده ليس كافيا لخلق التغيير المرجوّ", ومع انتخاب السيد (Joe Biden) الرئيس السادس والاربعين للولايات المتحدة، فقد تحول الاهتمام إلى تركيبة مجلس وزراءه الذي يبدو متجها إلى أنه "المجلس ألأكثر تعددية على الإطلاق" رغم انتقادات تتعلق بقلة نسبة التمثيل للأمريكان الآسيويين فيه وسكان جزر المحيط الهادي, إضافة الى انه لم تتم حتى الآن أية تعيينات لأشخاص من ذوي الإعاقة في المجلس رغم نداءات منظمة (RespectAbility) للقيادة في هذا الشأن.

تبرز أهمية التعددية والتمثيل جلية خاصة وأنه ليس من الممكن لنا، ومهما حاولنا، أن نتفهم ماهية أن نعيش حياة الآخرين او ان نرى العالم من وجهة نظرهم وفي ظل اختلاف انماط حبراتهم. فكلما تعددت واتسعت وجهات النظر كلما كان من الاسهل ايجاد الحل المناسب لمشكلة او قضية ما او حتى تحديد المشاكل الممكنة وعلاجها بالحل ذاته. كما تبرز ايضا اهمية التمثيل كونها تتحدى الافكار التقليدية المتأصلة حول اصحاب تولي السلطة, فمثلا هناك الفكرة الراسخة على ان الرجال, وبالخصوص البيض منهم ومن غير ذوي الشذوذ الجنسي ولا المتخنثين, هم الأنسب والأولى لتولي مناصب السلطة هذه, فالقادة من وجهة نظر هذه الفكرة يجب ان يكونوا "أقوياء" وهذه الخصال جميعها تعكس القوة والقدرة على القيادة.

ساعدت تعيينات السيد بايدن في كسر هذا السقف الزجاجي, فقد تضمنت تعييناته عددا ممن يطلق عليهم بـ "ألسوابق" مثل Pete Buttegieg كأول امرأة لوطية تعين كعضو مجلس وزراء, Janet Yellen كأول امرأة

تعين كوزيرة مالية, والدكتورة Rachel Levine كأول مسؤولة فدرالية متخنثة تعين كمساعدة لوزير الصحة بانتظار اقرار تعيينها من قبل مجلس الشيوخ, وكذلك انتخاب Kamala Harris كنائبة للرئيس باعتبارها أول امرأة وأول شخص امريكي آسيوي من السود يتبوأ ذلك المنصب.

قد نكون محقين إذا ما قلنا أن هناك مفارقة واضحة تبدو من خلال حكومة السيد بايدن, فهو الصورة النمطية عما يجب ان يكون عليه رجل السياسة باعتباره من البيض وكبير في السن وكذلك من غير الشواذ جنسيا وفي الوقت ذاته يعمل على تشكيل حكومته بهذه الصورة من التعددية, لكن هذه التعددية تشير إلى أهمية التمثيل والحكم المشترك إزاء إيلاء السلطة إلى الحكم الفردي.

التمثيل الصحيح لا يمكن أبدا ان يتحقق من طريق الحكم الفردي فالتمثيل يعني ضمنا العمل المشترك والتعاون معا لتحقيق الهدف والمشاركة في صنع القرار, كما ويأتي التمثيل في صلب الديمقراطية باعتباره يعني أن صونك كمواطن هو صوت مسموع بصرف النظر عن شخصك أو لونك أو خلفيتك الاجتماعية او الثقافية.

ومن اجل ممارسة التعددية بمعناها الصحيح، إن من الضروري جدا أن لا تقتصر هذه التعيينات وعمليات التمثيل هذه على مجرد تعيينات واجراءات شكلية, فسياسة الحصص المقطوعة في التمثيل هي مصدر إشكال في سبيل تحقيق التعددية النزيهة لأنه عندما يتم تلبية هذه الحصص فإنه من السهل إلهام الناس بأنه قد تم العمل على تحقيق التعددية المرجوة، الأمر الذي قد يعمل على مجرد ترسيخ مفهوم التمثيل بحده الادنى، كما علينا أيضا الحرص على عدم قبول تمثيل مبني على أفكار ذات مصالح وخبرات معينة تتساوق مع الهوية.. فعلى سبيل المثال، تقتصر تلبية النداءات الداعية الى التمثيل وإشراك ذوي الإعاقة في غالب الاحيان على تعيينات لجماعة مهمتها الحديث عن "قضايا الإعاقة"، وفي هذه الحالة قد تبدو هذه الجماعة ككل على انها ممثلة فعلا, إلا أن القيام بتعيين شخص فقط من ذوي الإعاقة للتحدث عن ما يسمى بـ "قضايا الإعاقة" فإن ذلك ليس من التمثيل أو التعددية الصحيحة في شيء بل وسيعمل ذلك على تحجيم فرص الأشخاص ذوي الإعاقة للمشاركة الفاعلة. ومن الجدير بالذكر أن مثل ذلك التمثيل ما هو إلا تجميلا للصورة النمطية القديمة التي تظهر أن الرجال البيض هم الأفضل في كل شيء بتحويرها إلى صورة تظهر أن هناك هويات معينة من الأشخاص هم الأفضل لأمور وقضايا معينة – وكلا الصورتين ليست صحيحة..! والأدهى من ذلك أن مثل هذه السياسة في التمثيل تعمل على إيلاء المسؤولية عن القضايا المجتمعية الأقل شأنا إلى أفراد من ذوي المكانة الاجتماعية الأقل شأنا منها، ما يجعل تحقيق التغيير أمرا غير ممكن.

في مسيرة خبرتي قمت بالعمل مع لجان وجماعات من هذا القبيل، وبالطبع بالنسبة لي قمت ببناء مجال عملي كخبيرة في شؤون حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، وعليه فإن قدرتي على التحدث بخصوص هذه الأمور في هذه اللجان لم تكن جراء كوني من ذوي الإعاقة، ورغم ذلك وجدت الكثير من الناس من كان يفترض جدلا انني كغيري من الاشخاص ذوي الاعاقة لا نمتلك ما نقوله او نسهم به في القضايا الاخرى.، وللأسف أن مَثَلَ هذا الافتراض الخاطئ مَثَلَ التسليم جدلا بأن المرأة حاضرة دائما وعلى استعداد تام للمساهمة بفعالية في تغيير الهيكلية والتركيبة الجنسية للمجتمع، فقط لمجرد أنها امرأة..!

بالطبع فإن التمثيل الدقيق القائم على "المثل بالمثل" للمجتمع برمته لا يمكن أن يكون خيارا على مستوى الحكومات" فليس من الممكن حسابيا او منطقيا تغطية مثل هذه التعددية ببضعة عشرات من الناس في المرة الواحدة، لكنه مع مرور الزمن ومع تغير الحكومات يتم انتخاب مشرعين جدد ويتم تعيين مسؤولين جدد وبالتالي فإن القوائم التراكمية لهؤلاء الشخوص والمسؤولين ستبدو باطَراد أنها أكثر وأكثر تمثيلا للبلد المأمول تمثيلها، وربما هذه هي الناحية الأكثر أهمية في سياسة التمثيل – فهنا أو هناك، قد يرى الطفل شخصا مسؤولا او قياديا يشبهه.. فيقول لنفسه "قد اكون أنا هو ذا ذات يوم..!"


جافيا علي


٣٧ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page