top of page
صورة الكاتبChavia Ali

في الثامن من شهر آذار 2021، لا يمكنك أن تغسل الرمل..!

في القرن الواحد والعشرين، ها نحن اليوم نستقبل الثامن من شهر آذار من العام 2021، وقد تحققت جميع مطالبنا وكامل حقوقنا..! وكيف لا..! في وقت تعج فيه الصحف وسائر وسائل التواصل الاجتماعي التي أقراها كل يوم بأخبار عن قمة التقدم الذي أحرزته مجتمعاتنا في منح المرأة حقوقها..! ألم تقرؤون مثلي لأول مرة عن أناس كثر تبين انهم نشطاء مخلصين ومدافعين أقوياء عن حقوقنا؟! ألم تسمعون أو تقرؤون عن ذلك الرجل الذي انهال على أخته بالضرب لمجرد خروجها من البيت دون إذنه؟! اليس هذا الرجل دليل حي على ذاك التقدم ونيل الحقوق..؟! أكاد أبكي من الفرح والنشوة..! ألم تقرؤون عن أخبار لنساء دخلن معترك صناعة الأفلام، وعن اعتراف مجتمعاتنا ببطولات اللاعبات او عن إقرار هذه المجتمعات بالإنجازات العلمية التي حققتها نساؤنا أو عن حجم الأهمية التي تمنحها مجتمعاتنا لأصواتهن ومطالبهن..؟!

قبل ما يزيد عن مئة عام، حينما عرف يوم المرأة العالمي لأول مرة سنة 1911، كانت لا زالت صناعة السيارات في بدايتها، واليوم، في عام 2021 وبعد اكثر من مئة عام، نجد ان من أبرز الإنجازات في مجال حقوق الانسان التي من المنتظر بنا ان نحتفل بها ونصفق لها هو إطلاق سراح امرأة قضت في الحبس لمجرد أنها قامت بقيادة السيارة.! لا.. لم تكن القضية تتعلق بإمكانية التسبب في تلوث البيئة من جراء الغازات التي تصدرها السيارة ولا بقضية الانحباس الحراري!

وفي مناطق اخرى من العالم "المتقدم" نسمع أنه سمح أخيرا للنساء بقيادة قطارات الأنفاق، الامر الذي يشكل تحديا اكبر لقدرات المرأة من مجرد العمل كقائدة للطائرة. مع انه كان بالإمكان قيادتها للطائرة منذ عهد Raymonde de Laroche

في عام 1910.

وبفضل فيروس كورونا هناك اليوم حديث عن ما يسمى بالعنف ضد المرأة في المنزل، حيث يبدو أن هناك عدد متزايد جدا في الحالات التي يتم فيها رمي النساء من الشبابيك في وقت تجد المرأة نفسها مضطرةً لقضاء ساعات اطول مع زوجها وفي وقت لم تعد تستطيع الهروب فيه من البيت، فبالنسبة للكثيرات من النساء فإن البيت ليس هو المكان المثالي لحمايتهنّ او عيشهنّ الرغيد، وأمام هذا الفيروس وجدت الحكومات نفسها مضطرةً على اعتبار أن الوسيلة لمواجهة المرأة لمعضلة العمل والحياة البيتية في هذا الظرف هو باعتمادها على دور الحضانة وشبكات علاقاتها الاجتماعية وفي الوقت ذاته فإنه من المنتظر منها القيام بمختلف واجباتها اليومية من تقديم الرعاية البيتية ووسائل الدعم المختلفة. وفي هذا الظرف أيضا يجلس التلاميذ أمام شاشات التعلم الالكتروني وهم جياع، فلم تعد الوجبات الغذائية الحكومية متوفرة كما كانت في التعلم المدرسي، ومع ان هذه الحكومات تعبر عن قلقها إزاء هذا المسألة وتعتبرها ليست فقط مصدر قلق للأمهات في هذا الظرف، إلا أن مثل هذه المسائل تبقى بعيدة عن اهتمام الحكومات والسياسيين، كما هو الحال دائما. فالوباء كشف لنا تلك الزوايا المعتمة في بيوتنا والتي كان يجب أن ندركها من قبل.

في عامنا هذا 2021، وفي الوقت الذي لا تكاد تخلو الصفحات العامة من ذكر ولو سطحي للمساواة بين جميع انماط الناس الجنسية، لا يزال ينظر إلى قضايا المرأة على أنها مسائل خاصة وثانويّة ليس إلا، وبالتالي فإن أي ذكر لها في الأوساط العامة ليبدو أنه يخلف إحساساً بالخزي والحرج، ويبدو أنه في أحسن الحالات ليس أمامنا سوى اللجوء إلى المؤسسات الخيرية أو شيء من هذا القبيل، شاكرين لها أي دعم لتحسين ظروفنا مهما كان هذا الدعم بسيطاً. ولنسأل أنفسنا أولاً "أليس من العيب يا ترى أن نثير مثل هذه المسائل "الثانويّة" في زمن يعاني فيه سكان الأرض من أزمة الوباء؟!" أليس من الأجدر بنا التركيز على التكاتف والوحدة وعلى مسائل "أكثر جدية"؟! صحيحٌ.. في النهاية، المرأة ما هي إلا نصف المجتمع فقط..!

وبما أنني مجرد امرأة من بين نساء هذا النصف الثانويّ من المجتمع، فإنه يبدو أن دوري يقتصر فقط على التصفيق والتعبير عن الاعجاب لتلك الأفعال "الأكثر جدية" التي يحققها رجالنا "القوامون"..! فقد حققوا الكثير فعلا..! فلننظر مثلا إلى الحروب التي وصلت إلى مستويات جديدة من التقدم وإلى أنواع الأسلحة المستخدمة التي تتقدم يوما عن يوم..! فلننظر إلى أولئك المزارعين في شتى انحاء العالم كم يستمتعون بما يلقونه في حقولهم من ألغام أرضية ومن قنابل عنقودية ومن أحدث ما وصلت اليه المصنوعات الكيماوية القاتلة..!

وإن لم يحالفنا الحظ ولم نكن مزارعين مثل هؤلاء، فلننظر إلى حرائق الغابات والعواصف الثلجية والأعاصير إضافةً إلى آفات أسراب الجراد والفيضانات الناجمة عن عقود من "المثابرة" و "العمل الجاد" من أجل النهوض بالاقتصاد..! ولننظر أيضا إلى أعمدة الدخان والغبار التي تضخّها الصّناعات "المتقدّمة" كل يوم لتجعل من شمس المغيب منظراً وردياً في منتهى الجمال..!

بالطبع، فإننا نتمتع بالتقدير فقط كزوجات وأمهات وأخوات وطاهيات في المطبخ أو كخادمات وممرضات ..، ولكن عندما يصل الأمر إلى الحقوق والحريات نجد أن ذلك محرمُ علينا..! وفي ذات الوقت، نجد أن في مجتمعاتنا، نُكبرُ ذلك "الانفتاح العقلي والتفهم" لدى أزواجنا وآبائنا وإخواننا لمجرد عدم إقدامهم على ضربنا أو قتلنا، أو لمجرد السماح لنا بالذهاب إلى المدرسة، أو لمجرد علبة شوكولاتة مزينة يهدونها إياها في عيد فالنتاين..! وفي هذا اليوم، الثامن من آذار، قد يقومون هؤلاء بإعداد قهوة الصباح تكريما لنا، ولكن عند جلوس هؤلاء في قاعات المحاكم فإنهم سرعان ما يقررون أن تلك المرأة التي تعرضت إلى حالة الاغتصاب كانت على الأرجح هي المتسببة في ذلك، وإن لم يكن ذلك هو قرارهم فإنه قرارٌ سيقضي على الأغلب بأن يتزوج المعتدي من ضحيته ( مسكين ذلك الرجل.. الذي وجد نفسه عالقاً مع امرأة عاهرة تحرشت به).

قد نتحدث عن أن حياة الرجل كرجل صعبة بالتأكيد باعتبار أن طبيعة تكوينه وهرموناته تجعل من الصعب عليه المقاومة بمجرد رؤيته للمرأة، كما هو من المعقول أيضا أن يقدم الرجل المرفوض اجتماعيا على قتل زوجته إذا أرادت الطلاق منه..! فإذا كان الرجل مسيراً بهذه الطريقة وغير قادر على المقاومة.. ورهينةً لعواطفه.. فهل يا ترى من العدل بمكان أن نثقل كاهله بالمسؤولية عن أفعاله..؟! وهل ينبغي يا ترى أن يجلسون هؤلاء ويقررون في قاعات المحاكم أو في دور البرلمان أو يكونون على رأس لجان تعد مسودات الوثائق القانونية؟!

نحن نشهد اليوم تقدما هائلا في علوم الذرة والمادة، بحيث أننا أصبحنا نفهم الجوانب المعقدة من تكوينات البروتون أكثر من فهمنا لأحاسيسنا ومشاعرنا. لقد بلغنا من التقدم المادي ما يجعلنا لا نستبعد حدوث إزدحامات سير فوق كوكب المريخ، وأصبحت المصرفة الالكترونية تستهلك من الكهرباء ما يفوق استهلاك بلدان بأكملها، وأصبحت الأقمار الصناعية قادرةً على التصوير الدقيق والأنيق لعائلات وهي تحتفل على انفراد بتناول طعامها حتى في الحديقة الخلفية للمنزل.. ومع هذا التقدم كله، لا زالت علاقاتنا البشرية، خصوصا تلك العلاقات ما بين المرأة والرجل، تحكمها تلك القبضات والزنود القوية، وسلطة الشوارب واللحى، ناهيك عن العلاقات الأسرية التي تحكمها معتقدات العصر الحجري التي يمثلها البرنامج الكرتوني الامريكي (The Flintstones)، فإذا ما عرفنا أن حقوق المرأة لا زالت تحتاج إلى أكثر من خمسة آلاف سنة لكي تلحق بالركب، فماذا أقول في حقوق النساء ذوات الإعاقة..؟! وإلى أي عصرٍ أو صنفٍ من البشرية سندعي الانتماء؟! وإلى أي صنف نسويّ؟! وحتى الحياة "الطبيعية جدا" للنساء هل يا ترى تستحق النضال من اجلها؟!

إن من وجهة نظري كناشطة في مجال حقوق الانسان أنّ هذه الحقوق في شكلها الحالي لا ترقى إلا إلى مستوى الحد الأدنى مما يمكن ان يرضى به مجتمع انساني قبل سبعين عاماً..! وبالتأكيد فإنّ هذا ليس هو الوضع المثالي، ولكن في غياب الحد الأدنى هذا من الحقوق فإن عالمنا متهمٌ لا محالة بمواصلة طريقه في حرب اللامبالاة وزيادة المعاناة. فالحقوق ليست بـ "البوفيه المفتوح" كي تنتقي منه ما تشاء وتترك ما لا تشاء بناءً على أهوائك أو بناءً على رغبات العصر.

وكناشطة في مجال حقوق الانسان فإنني أيضا اتمتع بالبراغماتية أو النظرة الواقعية للأمور، فأنا ادرك تماما أن أية خطوة نخطوها باتجاه النهوض بحقوق الانسان هي خطوة ايجابية، كما أدرك أيضا أن العملية شائكة ومعقدة ومن شأنها أن تأخذ وقتا طويلاً، فهناك مثلا من المواطنين والحكومات ومؤسسات المجتمع المدني من يمكن أن يدعم قضيةً معينةً لأسباب خاصة وأهداف لا تعبر عن إيمانها الراسخ بتلك القضية (كإلقاء اللوم على الآخرين أو الظهور بمظهر من يستحق الثناء). ومع ذلك، ورغم خطواتنا البسيطة التي نخطو بها تجاه التحسين وصيانة الحقوق، إلّا أنّ نتائج تلك الخطوات لكل المستفيدين منها واقعيةٌ وتبعد كل البعد عن مجرد الكلام المنمّق والمُبهرج. فبالحقوق تُنقذ الأرواح, وبالحقوق نجعل من حياتنا حياةً تستحقّ العيش..! صحيحٌ أننا لم نصل إلى كل ما نأمل به ونسعى إليه بعد مضي أكثر من مائة عام على يوم المرأة العالمي، إلا أنّه من حقّ أنفسنا علينا ومن حق أطفالنا علينا أيضا أن نكمل مشوار النضال من أجل تحصيل الحقوق من أجل نصفيّ هذا العالم ومن اجل رسم مستقبل مشرق.

اليوم هو الثامن من آذار وقد بلغنا العام 2021، فكفى..! كفى ما عانينا منه وما زلنا نعاني..! لا للمزيد من فقدان المرأة لأطفالها وصحتها وكرامتها وآمالها وطموحاتها، فلقد آن الأوان كي لا تعيش المرأة تحت نير العبودية والاستغلال ولا خلف قضبان الحبس ولا في منزلة التحقير والانحطاط، فالمرأة لا يمكنها أن تظل كبش الفداء لما يُسمى بــ "الهدف الأسمى". تذكر أنّه لا يمكنك أن تغسل الرمل، فكلّ كلمات العالم الجميلة لن تستطيع في يوم من الأيام أن تنفض عواقب أعمالك. ففي نهاية المطاف، ما يهمّ هو الأفعال، لا مجرد الكلمات.


كل عام ونصفيّ العالم بألف خير

جافيا علي

Chavia Ali

٧٤ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Bình luận


bottom of page