top of page
صورة الكاتبChavia Ali

اللّبنة الواحدة لن تبني بيتاً

هناك عوامل كثيرة قد تعمل على تمكين او تقييد حياة وحرية المرأة ومن الواضح أنّ هذه العوامل لا يمكن اختصارها فقط في مسألة القانون الوطني للدولة أو القانون الدولي، ولكني كنشطة في مجال حقوق الإنسان ولديّ الخلفية التعليمية الكافية في قضايا القانون، من الواضح بالنسبة لي أن القانون يلعب فعلا الدور الهامّ في حياتنا، فالقانون يغلف حياتنا اليومية أحيانا بطريقة واضحة للجميع لكنه غالبا ما يكمن في طبيعة تركيبات مجتمعاتنا وفي أعمال سلطاتنا مما يجعلنا نسلّم به جدلاً، وفي هذا الشأن يلعب الدستور دورا في غاية الأهمية باعتباره الجهة التي تحكم علاقة القانون الوطني بالاتفاقات الدولية بما فيها ما يتعلق بحقوق الإنسان، كما أنه قبل تمرير أي قانون وطني جديد، من المعروف أنه يتم مقابلة هذا القانون الجديد مع الدستور للتأكد من انسجامه معه، تماما كما يتم عند مراجعة القوانين التي لم تعد صالحة اليوم كي تتفق مع الدستور او الدستور المعدل.

وفي ما يلي العرض الذي قدمته عن هذا الموضوع في مؤتمر "الطاولة المستديرة حول إنشاء الدستور" الذي نظمته المبادرة النسائية (EuroMed Feminist Initiative IFE-EFI) في باريس في 11-12 آب أغسطس 2020:

"علينا أن تُفهم مسألة القوانين التمييزية ذات الأساس الدستوري ضمن سياق أوسع وهو ماهيّة علاقة التشريع الوطني (بما في ذلك الدستور) بالمعاهدات الدولية وآليات دعم الحقوق بما فيها حقوق الانسان وحقوق المرأة وأيضا بالعلاقة مع أدوات أخرى مثل اتفاقيات منظمات العمل الدولية ومنظمات الخدمات الاجتماعية الدولية والقانون الدولي الذي يحكم عملية حماية المدنيين في مناطق النزاع المسلح وحماية النازحين والمهجّرين واللاجئين.

تتعلق هذه المسألة أيضا بكيفية ضمان هذه الحقوق في الدستور (وليس فقط بالإشارة الصريحة إلى حقوق المرأة) وبالكيفية التركيبية لبعض قوانين الدستور المختلفة بالنسبة للقوانين الأخرى وتتعلق ايضا بالآليات التي تمكّن المواطنين وغير المواطنين والمنظمات التي تعمل بالنيابة عن مجتمع النساء من اجبار الهيئات القانونية على احترام الدستور (في مجالات مثل دعاوى الصالح العام، دعاوى الصالح الاجتماعي، نظام الشكاوى) كما وتتعلق المسألة بالآليات والضمانات التي ستسمح للتشريع باستمرار تقدمه نحو تعزيز المساواة والعدل بين الجنسين وتمنع من الرجوع عن أي تقدم تم احرازه في هذا المجال كما هو الحال في الدستور التونسي.

من الأهمية ان نعلم أنّ مسألة قدرة الدستور فعلا على منع التمييز أيضا ترتبط كل الارتباط بالعقبات المختلفة التي تواجه النساء في حصولهنّ على الحماية القانونية حتى لتلك الحقوق التي يسنّها القانون، وهذا على سبيل المثال لأسباب مثل نقص المعلومات الراجعة إلى غموض اللغة والتعقيدات الزائدة ونقص الامكانيات المادية التي تحول دون اللجوء للقضاء وأماكن السكن النائية والمسافات الجغرافية البعيدة والتأخر في التصرف والاشتراطات المعقدة أو عدم تلبية الشروط المتعلقة بالمواطنة أو مكان السكن أو الحالة الاجتماعية أو السن وقدرة الشخص، إضافةً إلى قيود أخرى.

هناك الكثير من العوامل التي تلعب دورا مؤثرا في منع النساء من التوجه إلى القانون لتحصيل حقوقهنّ ومن هذه العوامل الخوف من انتقام الأزواج أو المجرمين أو الخوف من أفراد الأسرة أو المجتمع أو أرباب العمل إضافةً إلى نقص المؤسسات التي تضمن سلامة النساء عند لجوئهنّ للقانون.، كذلك فإن مهمة متابعة تمكين المرأة من تحصيلها لحقوقها الواردة في القانون هي ايضا من واجب الإعلام وكيفية تعبئة الرأي العام، كما أنها تختص أيضا بالكيفية التي تتم فيها عمليات تعيين القضاة وبتكوينية عناصر المحكمة أو الهيئة القانونية كما تختص ايضا بثقافة المسؤولين والمهنيين القانونيين.

تشكل النساء ما نسبته نصف سكان هذا العالم، وعليه فإنه لا يمكن أن يقتصر موضوع المساواة بين الجنسين في القانون على مجموعة محددة من الاشارات الشكلية إلى حقوق المرأة، فالنساء كعاملات في مجال رعاية الكبار والاطفال والمرضى وذوي الإعاقة يعانين بكثرة من التمييز ما يفوق التمييز بحق أي جماعة مستضعفة أخرى، ويجب الانتباه بشكل خاص أيضا إلى ما يتعلق بالجماعات التي تعاني أشكالا متعددة من التمييز كالتمييز بناءً على السن والقدرات والوضع على المستوى السكني أو الشخصي والديانة والعرق وحجم الدخل والطبقة الاجتماعية.

لا يمكن فصل موضوع حقوق المرأة وموضوع المساواة بين الجنسين عن القضية الأشمل التي تتعلق بالمساواة على المستوى الاقتصادي وضمان الحياة الكريمة ومصادر رزق للفئات الضعيفة من السكان، لذلك فإن من بين المسائل التي تستحق الاهتمام هو ما مدى سماح الدستور والقوانين ذات العلاقة بدخول النساء اتفاقيات تخص التجارة والتعرفة الجمركية التي تمنع القيام بأي إجراءات من شأنها ضمان سلامة السكان، إضافة إلى مسألة مشابهة تخص الشروط المفروضة على الديون الوطنية وإلى أي مدى تستطيع جهات الإقراض أو الهيئات المالية الدولية أن تقوم بفرض إجراءات الصرامة.

إنّ التعريف الضيّق للتمييز ومفهوم حقوق المرأة سيعمل بالتأكيد على تحجيم أية فوائد حقيقية، كذلك فإنه ليس من المجدي بأي حال من الأحوال أن يُقتصر الأمر على الدعم الشفوي لأيّ حديث أو نقاش حقوقيّ إن لم يخاطب الأساس الدستوري للتشريع القضايا التي تهمّ حياة المرأة، فعلى سبيل المثال إذا كان حق الميراث وملكية الأراضي محفوظا للأولاد فقط فإن على زوجات المزارعين إنجاب ما يكفي من الأطفال وما يكفي من الأولاد لضمان إبقاء ملكية المزرعة للابن، وإن لم يكن هناك نظاما للتأمين الاجتماعي (بما في ذلك نظام التقاعد والتأمين الصحي الباهظ لكبار السن) فإن عدم الاستقلالية الاقتصادية يعني أنه ليس أمام الإناث سوى الزواج أو إنجاب العديد من الأطفال الذين يمكن أن يقدمون لهنّ الرعاية عند كبرهنّ، وإن لم يتم تنظيم وتقنين مسألة الإيجار والإسكان فإن ذلك سيجبر النساء على إبقاء الزواج رغم ما قد يصحب ذلك الزواج من عنف وإذلال فقط بسبب عدم توفر مكان سكن بديل.

ومن أجل التعامل مع كل هذه المسائل فإن هناك مجموعة من الاعتبارات التي تلعب دورا في غاية الأهمية ويجب النظر فيها مثل الطبيعة الهرمية ما بين البنود القانونية المختلفة، وما يمكن تطبيقه من القانون، أولوية القوانين، وأيّ من المحاكم أو جهات التحكيم التي تعمل على حل الخلافات وبموجب أي الإجراءات، إضافة إلى أيّ من المحاكم أو الهيئات القانونية يجب اللجوء ورفع الدعاوى.، كما أن هناك اعتبارات أخرى من أهمها وجود بنود في الدستور التي يمكن أن تعمل على تعليق الحقوق لأسباب أمنية مثلا أو حالات الطوارئ أو بسبب اتهام او إدانة الشخص بجريمة معينة.

تتجه القوانين الخاصة بالجنسيات إلى تعريف المرأة على أنها تعتمد اقتصاديا على زوجها لكنها ذات تأثير في تحديد جنسية أبنائها، كما أنه لا يعمل قانون العقوبات على حماية النساء بفعالية من الاعتداءات الأسرية أو من الاستغلال والعنف الجنسي أو المضايقة أو ما يسمى بــ "انتهاك العرض"، بل يبدو أن قانون العقوبات الخاص بالسلام العام يستهدف بالتحديد النساء اللواتي يعملن على مقاومة وتحدّي الأدوار الخاصة بالجنسين، هذا إضافةً إلى القانون الأسري الذي يمكن جدا أن يمنع النساء من الهروب والفرار للنجاة بنفسها، أو يمنعها من الاحتفاظ بحقها في الوصاية على أطفالها او من بناء حياة جديدة من خلال الخروج والسفر واستئجار شقة مثلا أو الزواج من جديد. وقد تعمل القوانين على إجبار ضحايا الاغتصاب على الزواج من المعتدي أو تجرّم عمليات الاجهاض ما بعد الاغتصاب أو قد تعاقب ضحايا الاغتصاب بكل قسوة نظرا لما يعرف بــممارسة الجنس خارج نطاق الزوجية، وإلى جانب هذه البنود العنصرية المحددة في القانون الأسري فإن التمييز المستمر بحق المرأة مبني على عدم استقلالية المرأة اقتصاديا، فالقوانين التي تحد من ميراث المرأة وقدرتها على ملكية الاراضي والملكيات الاخرى او او من حقها في ادارة اعمالها التجارية او من فتح حسابات بنكية خاصة بها او من ممارسة بعض الوظائف، كل ذلك يؤثر بشكل كبير ومعتبر في حياة ووضع المرأة. في الوقت ذاته فإن هشاشة قانون العمل تسمح بالاستغلال المنظّم لعمل المرأة باعتباره عملا رخيصا مما يؤثر على الدخل ومعاش التقاعد والمدخرات التقاعدية كما يؤثر على قدرة المرأة على إعالة أبنائها كما ويؤثر بالطبع على صحتها".


وكما هو الحال في مجالات أخرى من حياتنا، فإنه غالبا ما تُفهم قضايا المرأة من زوايا محدودة كالنظر فقط إلى ما ترتديه من ملابس مثلا، أو إلى مسائل المضايقة أو العنف ضد المرأة، وفي بلدان الشرق الأوسط يشكل القانون الاسري إحدى المجالات التي تُشعر المرأة بالاستهداف باعتباره يحكم عدة نواحي مثل الحد الادنى للسن القانوني للزواج ويحكم شروط الطلاق والمسألة ذات الحساسية البالغة التي تتعلق بأحقية الوصاية على الأطفال، وفوق كل تلك المسائل الهامة إلا أنه تبقى قضية حق النساء في ممارسة الوظائف والقضايا الخاصة بقوانين العمل من القضايا الأساسية من أجل إحراز أي تقدم في ظروف المرأة، على اعتبار أنّ مسألة الدخل المستقل هي مسألة من المسائل الأكثر جوهرية في مجال حقوق المرأة على المستوى العالمي.

جافيا علي

١٠٤ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page