يوم الخميس الماضي, في الثالث من ديسمبر صادفت الذكرى السنوية ليوم المعاق العالمي الذي أعلنت عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992 في القرار رقم 3/47. ومع انني شخصيا اشعر بالراحة والرضا لوجود يوم من كل عام على الأقل ليتحدث فيه الناس عن الأشخاص ذوي الاعاقة, إلا أنني في هذا اليوم أشعر أيضا بالحزن والأسى – فكلّ ما هنالك هو الحديث والحديث فقط وليوم واحد فقط كل عام.
جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3/47 لا لإعتماد الثالث من ديسمبر كمناسبة من أجل زيادة الوعي بشريحة ذوي الاعاقة فقط بل ودعت جميع الدول الاعضاء والمنظمات ذات العلاقة إلى "تكثيف جهودها الموجهة نحو العمل المستدام والفاعل بقصد تحسين ظروف الأشخاص ذوي الإعاقة". ولسوء الحظ, وجدت الكثير من تلك المنظمات في ذلك مجرد فرصة لتبادل التهاني فيما بينها بدلا من أن تجد منها تحديا لإحداث التغيير.
من وجهة نظري، يتمركز العمل على تحسين ظروف الأشخاص ذوي الإعاقة حول ثلاثة محاور هي: حق الوصول والدمج والتمثيل.
حق الوصول: يجب أن لا يقتصر هذا المفهوم فقط على مجرد توفير الحد الأدنى مما يمكن ان يسهل على المعاق الوصول بجسده إلى مكان معين او مبنى معين أو خدمة معينة بل يجب ان يعني في الوقت نفسه تمكين الاشخاص ذوي الاعاقة من المشاركة الكاملة في المجتمع والعمل في نفس الوقت على إزالة الحواجز والعقبات الاخرى المتعلقة بالطبقة الاجتماعية والجنس والثقافة التي يمكن ان تجعل من حياة الشخص من ذوي الاعاقة حياةً اكثر تعقيدا.
كما ويعني حق الوصول أن من حق المعاق أن يُسمع صوته ومن حقه الوصول إلى المعلومات ومن حقه المشاركة في ممارسة الديمقراطية, كما وتتطلب البحث عن اصوات اولئك الذين لا تساعدهم الظروف لسبب او لآخر على المشاركة في النشاط الديمقراطي والنشاط المدني.
الدمج: الدمج يعني مواجهة التمييز ضد الاشخاص من ذوي الاعاقة لصالح الاشخاص غير المعاقين وذلك من منطلق التحيز والتمسك بصور نمطية عن ذوي الاعاقة, وغالبا ما يكون هذا التحيز وهذه الصور النمطية متأصلة في المجتمع وغير مرئية بشكل مباشر, لذلك فنحن بحاجة إلى فعل كل ما يمكن فعله من أجل الانخراط بالأشخاص ذوي الإعاقة وتفعيل دورهم وإشراكهم في النقاش والحوار.
وحسب تقديرات منظمة العمل الدولية فإنه يتم فقدان ما يتراوح ما بين 3% الى 7% من مجمل الإنتاج الوطني عالميا بسبب عدم دمج الاشخاص ذوي الاعاقة في النشاط المجتمعي, فيجب العلم بأن العمل على دمج الأشخاص ذوي الإعاقة هو ليس فقط مسألة من مسائل حقوق الانسان او المساواة انما هو أيضا مسألة من مسائل النمو والتطور.
التمثيل: التمثيل هو تشجيع واحتواء الاشخاص ذوي الاعاقة في النشاط السياسي والديمقراطي في كل مراحله, كما ويعني عدم اقتصار هذا الاحتواء على ما يسمى بــ "قضايا الاعاقة".
لقد كان هذا العام عاما في منتهى الصعوبة علينا جميعا بل واصعب مما اعتدنا عليه في السنوات السابقة, فقد فقدنا العديد من الأحبة والأصدقاء والأقارب, وهناك من الناس من الذين كانوا في الظروف "الطبيعية" يكافحون من اجل ايجاد لقمة عيشهم والذين نجدهم اليوم يكافحون المزيد والمزيد. في هذا العام ايضا اتسعت النزاعات وازداد التمييز, مما خلقت هذه النزاعات وهذا التمييز ليس فقط ظروفا اكثر سوءً للأشخاص ذوي الاعاقة بل أيضا خلفت وراءها المزيد من الإعاقات سواء أكان ذلك بسبب الإصابات في النزاع أو الأمراض أو الفقر.
كم أتمنى أن أدعو الجميع منا إلى أن نصبح عائلة واحدة وإلى أن نعمل معا ونكون معا كي تُسمع اصواتنا, لكنني أدرك أنه ليس من السهل تحقيق ذلك, فحقوقنا تتآكل بدلا من أن تنمو, وفي مجالات كثيرة تجدنا نرجع إلى الوراء بدلا من أن نتقدم إلى الأمام.
في هذا المقام ينبغي أن نذكر مثالين: أولا, اعتادت المفوضية العليا للأمم المتحدة الخاصة باللاجئين (UNHCR) أن تعتبر الأشخاص ذوي الاعاقة من اللاجئين على انها فئة خاصة لها الحق في الإسراع بإعادة التوطين, لكن في يومنا هذا لم يعد يوجد هناك مثل هذا الاعتبار واصبح يتعيّن على اللاجئين من ذوي الاعاقة الانتظار والانتظار طويلا من اجل الحصول على ذلك الحق.
ثانيا, تم في الاسبوع الماضي إصدار قرار في السويد يقضي بترحيل طفل عراقي يبلغ من العمر سبع سنوات ويعاني من شلل نصفي وكذلك ترحيل عائلته, وفي هذا الصدد كان هناك جدل حول امكانية ترحيله مع كرسيه المتحرك أو مصادرة ذلك الكرسي. من الواضح انه يجب ان لا يحدث مثل ذلك الجدل بتاتا!
ومع ذلك, لا تعني تلك الممارسات اليأس والقنوط والاستسلام, بل ينبغي أن تعني أن علينا المزيد من العمل والتعاون معا من أجل تحقيق أهدافنا, كما انه من اجل تحقيق تلك الاهداف ليس من الضروري ان نتمتع بنفس القدرات او بنفس المستويات من الثقافة, فالجهود مهما صغرت ومهما كانت لا بد أن تعود بالفائدة على حركتنا وعلى تقدمنا نحو مستقبل أفضل ونحو ضمان حقوقنا.
في يوم المعاق العالمي لا يتوجب علينا أن نتحدث ونتحدث فقط, بل يتوجب علينا انتهاز هذه الفرصة لإلهام الآخرين والنهوض بهم لمكافحة التمييز والظلم والتحيز وكل ما يمكن أن ينتهك حقوق الانسان, يتوجب علينا ذلك ليس فقط في هذا اليوم او الموسم بل على الدوام وفي كل آن.
جافيا علي
Chavia Ali
Comments